10 – هناك مطعومات قد تساعد على الحفظ ، وتنشط الذاكرة ، ومن أهمها :
أ – العسل : وهو نافع في الصحة عامة ، ومجرب في تقوية الحفظ ؛ خاصة إذا كان على الريق ، وفيه شفاء من كثير من الأمراض ، قال تعالى : ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ). ([1])
ب – شرب ماء زمزم : فإن من شربه بنية الحفظ حفظ – إن شاء الله –
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شرب له )([2])
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله تعالى – : ( قوله : “ماء زمزم لما شرب له” فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر شربه لأجله ، سواء كان من أمور الدنيا ، أو الآخرة ؛ لأن ما في قوله : “لما شرب له” من صيغ العموم ([3]) ). ([4])
وهكذا كان عمل السلف الصالح ؛ فإذا هم أحدهم بحاجة شرب من ماء زمزم ، ودعا الله أن ييسرها له ؛ ومن الأمثلة على ذلك :
الخطيب البغدادي – رحمه الله تعالى – : فإنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات ، وسأل الله ثلاث حاجات : أن يحدث بتاريخ بغداد بها ، وأن يملي الحديث بجامع المنصور ، وأن يدفن عند بشر الحافي ؛ فقضيت له الثلاث . ([5])
وشرب الإمام الحاكم – رحمه الله تعالى – ماء زمزم بنية التصنيف ، والجمع ؛ فرزق حسن التصنيف والتأليف. ([6])
وشربه أمير المؤمنين في الحديث العلامة ابن حجر – رحمه الله تعالى – ليصل إلى مرتبة الذهبي – رحمه الله تعالى – في الحفظ ؛ فبلغها وزاد عليها.([7])
وغير هؤلاء كثير ، والمقام لا يتسع للتطويل .
ج – الحبة السوداء : فهي شفاء من كل داء ، قالت عائشة – رضي الله تعالى عنها وأرضاها – سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام ، قلت : وما السام ؟ قال : الموت ). ([8])
وليس المقصود أنها تستعمل دائما صرفا ؛ بل تارة تستعمل مفردة ، وتارة مخلوطة مع غيرها ، كالعسل ونحوه ، حسب الحاجة .
د – التمر : وهو مجرب في تقوية الحفظ ، وخاصة ما صار منه تمرا ، ولم يعد رطبا ، وكان محببا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعامة العرب ؛ بل إنه كان سببا في موت بعض العلماء من شدة حرصهم على الحفظ ، وعدم النسيان ، فقد روي أنه كان هو سبب موت الإمام مسلم صاحب الصحيح رحمه الله تعالى .
قال الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى – : ( قال أحمد بن سلمة : .. وعقد لمسلم مجلس المذاكرة ؛ فذكر له حديث لم يعرفه ؛ فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج ، وقال لمن في الدار : لا يدخل أحد منكم ؛ فقيل له : أهديت لنا سلة تمر ؛ فقال قدموها ؛ فقدموها إليه ؛ فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة فأصبح وقد فني التمر ، ووجد الحديث..
رواها أبو عبد الله الحاكم ثم قال زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات )([9])
هـ – ابتلاع أحداق عيون المعز والضأن ، دون مضغ : وهو أمر معتاد عند الشناقطة ؛ حيث يأخذون حدق العيون من الرؤوس المطبوخة ويضعونها في فم الطفل ، ثم يتبعونها بالماء حتى تبتلع دون مضغ ، وقد جربوا ذلك في الحفظ ، فأعطى مفعولا جيدا ..
وحدثني الأخ الفاضل : محمد يحيى ولد سعيد ([10]) أن الشيخ الحافظ الملقب عندنا بالنووي([11]) حدثه أنه كان يبتلع كثيرا من حداق العيون في الصغر ، وقد قابلته – أي الشيخ النووي – بنفسي في مكة المكرمة مرات عديدة ، وجالسته وحاورته في مسائل متعددة ، من الحديث والأصول والفقه ، وعلمت أن الله أعطاه من الحفظ ، والعلم بالحديث ، وحسن الخلق ، والتواضع لطلبة العلم ما أعطاه ؛ فأسأل الله العلي القدير أن يحفظه ، وينفع به الإسلام والمسلمين.
كما أن الشناقطة ينصحون طالب الحفظ – أيضا – بتجنب كل ما يزيد حموضة المعدة ، كالفلفل الحار ونحوه.
ثم إن بعض الباحثين يضيف على تلك المطعومات : الزبيب ، وألبان البقر ، والسمك الطازج ، والرمان ، وغيرها .
([2]) رواه “ابن ماجه” في سننه ، باب الشرب من زمزم ، حديث رقم 3062 ج 2 ص 1018 ورواه أيضا أحمد ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي ، وقال : تفرد به عبد الله وهو ضعيف ، واعترض عليه ابن الملقن بأنه توبع ، ولم أجده ذكر المتابعات التي اعترض بها.
ورواه العقيلي من حديث ابن المؤمل ، وقال : لا يتابع عليه ، واعترض عليه ابن الملقن – أيضا – بأنه توبع ، ولم أجده ذكر المتابعات التي اعترض بها أيضا ، وأعله ابن القطان بعلتين : الأولى : بابن المؤمل ، والثانية : بعنعنة أبي الزبير ، قال ابن حجر : لكن الثانية مردودة ، ففي رواية ابن ماجة التصريح بالسماع .
ورواه البيهقي في شعب الإيمان ، والخطيب في تاريخ بغداد من حديث سويد بن سعيد عن ابن المبارك عن ابن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر ، قال البيهقي : غريب تفرد به سويد. قال ابن حجر : ( وهو ضعيف جدا ، وإن كان مسلم قد أخرج له في المتابعات ، وأيضا كان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه ، وكذلك أمر أحمد بن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ، ولما أن عمي صار يلقن فيتلقن ؛ حتى قال يحيى بن معين : لو كان لي فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير ).
وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي – رحمه الله – : ( هذا حديث على رسم الصحيح فإن عبد الرحمن بن أبي الموال انفرد به البخاري ، وسويد بن سعيد انفرد به مسلم ) .
واعترض عليه ابن حجر : بأن مسلما إنما أخرج لسويد ما توبع عليه ؛ لا ما انفرد به ، فضلا عما خولف فيه. انظر : “تلخيص الحبير” ج2 ص268 و “تحفة المحتاج” ج2 ص189 و”خلاصة البدر المنير” ج2 ص26
([3]) ذلك أن لفظة : ما ، ومن ، وأي ، تعم مطلقا ، سواء كانت للشرط ، أم موصولة ، أم للاستفهام.وهي هنا موصولة.والله تعالى أعلم.
([4]) انظر : “نيل الأوطار” ج 5 ص 170
([5]) انظر : “سير أعلام النبلاء” ج 18 ص 279
([6]) انظر : “الأنساب” ج 3 ص 433
([7]) انظر : “ذيل تذكرة الحفاظ” ج 1 ص 381
([8]) رواه “البخاري” في صحيحه ، باب الحبة السوداء ، حديث رقم 5363 ج 5 ص 2153 و”مسلم” في صحيحه ، باب التداوي بالحبة السوداء ، حديث رقم 2215 ج 4 ص 1735 ، ولفظه : ( إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ، والسام الموت ، والحبة السوداء : الشونيز ).
([9]) انظر : “سير أعلام النبلاء” ج12 ص564
([11]) هو الشيخ العالم الفاضل محمد سيديا بن سليمان ، يرجع نسبه إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، ولد في حدود سنة 1958م وأمه هي العالمة الزاهدة خديجة بنت محمد سيديا ابنة عم والده ، وهي التي لقبته بالنووي ، تفاؤلا منها أن يصير مثل الإمام النووي في العلم ، والزهد في الدنيا ، فاشتهر بهذا اللقب ، حتى صار علما عليه ، فإذا ذكر لقب : النووي في غالب مناطق شنقيط ، فإنه لا ينصرف إلا إليه ، توجه إلى محضرة العلامة ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ عبد الله بن داداه – رحمه الله تعالى وغفر له – فحفظ القرآن ، وأجازه الشيخ يحيى بن اباه في قراءة نافع من روايتي ورش وقالون ، ودرس عليه كثيرا من علوم الحديث وغيرها ، ثم تفرغ بعد ذلك للمطالعة وتدريس طلبة العلم ، وبرع في علوم كثيرة ، ثم تعرض لمحن بسبب الصدع بالحق ؛ فسجن وعذب في فترة حكومة معاوية ولد سيد أحمد الطايع ، وقبل سقوط الحكومة المذكورة اعتقلته مع مجموعة من طلبة العلم منهم الشيخ الشاعر وغيره ، فزجت بهم في السجن ولا زالوا فيه ، نسأل الله عز وجل أن يعاقب من شارك في سجنه وسجن طلبة العلم الذين سجنوا معه بما يستحق وأن يفرج عنهم عاجلا غير آجل .