مقدمة في علم التجويد
تمهيد: لقد أمر الله عباده أن يتفكروا ويتدبروا في معاني وكلمات القرآن الكريم، ووعدهم بالثواب العظيم على كل حرف منه عشر حسنات، ولقد شرع الله تعالى لعباده الطريق الميسور لقراءة القرآن الكريم على مبادئ وصفات معينة حتى يصلوا إلى المقصود وهو تحقيق مبادئه وتطبيق أحكامه، وأمر الله عز وجل . نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ( وَرَتِّلِ الُقرْآنَ َترْتِي ً لا ) المزمل الآية 4 وقال تعالى: ( وَُقرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لَِتقْرَأَهُ عََلى النَّاسِ عََلى مُكْثٍ وََنزَّلَْناهُ َتنْزِيلاً ) . الإسراء الآية 106 ولقد جعل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم للأدواء شفا ? ء، وللصدور جلاء، وأن خير القلوب قلب واعٍ للقرآن الكريم، وخير الألسنة لسان يتلوه، وخير البيوت بيت يكون فيه، وأنه أعظم الكتب منزلة، فهو النور المبين الذي لا يشبهه نور، والبرهان المستبين الذي ترتقي به النفوس وتنشرح به الصدور، لا شيء أفصح من بلاغته، ولا أرجح من فصاحته، ولا أكثر من إفادته، ولا ألذ من تلاوته، من تمسك به فقد نهج منهج الصواب، ومن ضل عنه فقد خاب وخسر وطرد عن الباب. 2 وقال صلى الله عليه وسلم: ( القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله عز وجل على خلقه، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن لم يوقر القرآن فقد استخف بحق الله، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده ) أخرجه الترمذي والحاكم. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على إتقان القراءة عندما كان يلقنه إياها جبريل عليه السلام. وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه القرآن كما تلقاه من جبريل عليه السلام ، ويلقنهم إياه بنفس الصفة. ثم خص صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه أتقنوا القراءة حتى صاروا أعلا ما فيها منهم: أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو الدرداء، ومعاذ بن جبل وغيرهم، فكان صلى الله عليه وسلم يسمع منهم القرآن. من هذا كله يتبين لنا أن هناك صفة معينة للقراءة هي الصفة المأخوذة عنه صلى الله عليه وسلم وبها أنزل القرآن فمن خالفها أو أهملها فقد خالف السنة وقرأ القرآن بغير ما أنزل. تعريف علم التجويد: * علم التجويد لغة : 3 هو التحسين ، يقال جودت الشيء أي حسنته، وأيضًا، تجويد الشيء في لغة العرب إحكامه وإتقانه، يقال: فلان جود الشيء أي حسنه وأجاده إذا أحكم صنعه وأتقن وضعه وبلغ منه الغاية في الإحسان والكمال. * تعريف التجويد في الاصطلاح: أما تعريف التجويد في الاصطلاح عند أئمة الأداء فهو قسمان : الأول: معرفة القواعد والضوابط التي وضعها علماء التجويد، وهذا القسم يسمى بالتجويد العلمي أو النظري ، وحكمه بالنسبة لعامة المسلمين مندوب، وحكمه بالنسبة لأهل العلم فهو واجب كفائي ، فإن قامت به طائفة منهم سقط الإثم والحرج عن باقيهم، وإن لم يقم به طائفة منهم من التعلم والتعليم أثموا جميعًا. الثاني: فيسمى بالتجويد العملي أو التطبيقي، وهو إخراج كل حرف من مخرجه دون تحريف أو تغيير. حكم تعليم التجويد: أما حكم علم التجويد فهو فرض كفاية بالنسبة لعامة المسلمين، وفرض عين بالنسبة للعلماء والقراء، حتى إن بعض العلماء يرى أن تطبيقه في قراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن جيد. 4 حكم العمل بعلم التجويد شرعًا : أما حكم العمل بعلم التجويد شرعًا فهو واجب عيني على كل قارئ مكلف يقرأ القرآن كله أو بعضه لقوله تعالى: ( وَرَتِّلِ الُقرْآنَ َترْتِيلا ) سورة المزمل الآية 4، وقد جاء عن علي كرم الله وجهه في قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الُقرْآنَ َترْتِيلا ) سورة المزمل الآية 4 أنه قال : الترتيل هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف، وفي الآية لم يقتصر سبحانه على الأمر بالفعل، حتى أكده بالمصدر اهتماما به وتعظيمًا لشأنه. ومن السنة أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم ) رواه مالك والنسائي والبيهقي والطبراني. فقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجاوز حناجرهم ) أي لا يقبل ولا يرتفع لأن من قرأ القرآن على غير ما أنزل الله تعالى، ولم يراع فيه ما أجمع عليه، فقراءته ليست قرآنًا وتبطل به الصلاة، كما قرره ابن حجر في الفتاوى وغيره، قال شيخ الإسلام بن تيمية : والمراد بالذين لا يجاوز حناجرهم الذين لا 5 يتدبرونه ولا يعملون به، ومن العمل به تجويده وقراءته على الصفة المتلقاة من النبي صلى الله عليه وسلم. موضوع علم التجويد: أما موضوعه فهو الكلمات القرآنية من حيث إعطاء الحرف حقه ومستحقه. ويعتبر علم التجويد من أهم العلوم التي توافرت على خدمة كتاب الله عز وجل بل هو أولاها وأشرفها. واضع علم التجويد: أما واضعه من الناحية العملية فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ناحية وضع قواعده فهو الخليل بن أحمد الفراهيدي وغيره من أئمة القراء. ولنعلم أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى جبريل عليه السلام على هذه الكيفية من التحرير والتجويد، وأن جبريل عليه السلام علمه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الكيفية وتعلمه منه الصحابة رضي الله عنهم ثم تعلمه منهم التابعون؛ حتى نقل إلينا جي ً لا بعد جيل، بطريق التواتر الذي يفيد القطع واليقين. وهذا يدل على أن هذا العلم توقيفي. فائدة علم التجويد وغايته: 6 لعلم التجويد فوائد كثيرة من أهمها حسن الأداء وجودة التلاوة واللذان يوصلان إلى سعادتي الدنيا والآخرة، وصون اللسان عن اللحن في كلام الله عز وجل واللحن: هو الميل عن الصواب، وهو الخطأ في القرآن الكريم. الاستعاذة والبسملة: * الاستعاذة: صيغها كثيرة منها: ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ) معناها: أعتصم بالله من الشيطان الرجيم. محلها: قبل الشروع في القراءة مطلقًا، سواء في بداية السورة أو الآية. حكمها: مستحب لقوله تعالى: ( َفإِذا َقرِأْت الُقرْآنَ َفاسَْتعِذ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) سورة النحل الآية 98 * البسملة: صيغتها: ( بسم الله الرحمن الرحيم ). معناها: ابتدأ عملي وكلامي بسم الله الرحمن الرحيم. 7 محلها: أول كل سورة عدا سورة براءة ، وكذا كل آية. حكمها: الذين اعتبروها أية من القرآن قالوا بالوجوب. والذين لم يعتبروها أية من القرآن قالوا بالاستحباب. الوقف: معناه: قطع وصل القراءة. علامته: * في المصحف على رواية ورش حرف ( ص ). * في المصحف على رواية حفص: حرف ( م ) وقف لازم. ( ج ) الوقف جائز. ( لا ) لا يجوز الوقف. ( قل ) الأفضل الوقف. ( صل ) الأفضل الوصل.