المبحث الثامن : بعض الأخطاء الشائعة في تلاوة القرآن الكريم :
هناك بعض الأخطاء الشائعة في تلاوة القرآن الكريم أحببت التنبيه عليها حتى يتجنبها طالب الحفظ ، ويبتعد عن الوقوع فيها ، ومن أهمها :
1 – عدم الاعتناء بدراسة التجويد دراسة متقنة :
إن أهمية علم التجويد بالنسبة لمن يرغب في حفظ القرآن الكريم لا تخفى ؛ فبمعرفته يميز الطالب بين أنواع المد ، وحكم كل نوع ، ومقداره ، ويعرف الغنة ، ومراتبها ، ومقدارها ، ويتقن أحكاما مهمة كترقيق المرقق ، وتفخيم المفخم ، ومخارج الحروف وصفاتها ، ونحو ذلك مما يلزم لقراءة القرآن الكريم ، فعلى طالب الحفظ أن يهتم بالتجويد النظري والتطبيقي ، وأن يتقنهما حق الإتقان ..
2 – تسهيل الهمزة بين بين :
إن أحكام الهمزة تعتبر من أهم أبواب القراءة ومعرفتها وإتقانها أمر في غاية الأهمية وخاصة ما يسميه القراء التسهيل ، أو التليين وهو عند الإطلاق ينصرف إلى معنيين ، الأول منهما : أنه يعني مطلق التغيير ؛ فيشمل التسهيل بين بين والإبدال والحذف ، والثاني : أنه يعني التسهيل بين بين ولا يدخل فيه الحذف والإبدال ، وتعريفه أنه النطق بالهمزة بين همزة وحرف مد ، أي جعل حرف مخرجه بين مخرج الهمزة المحققة ومخرج حرف المد المجانس لحركتها ؛ فتنطق بالمفتوحة بين الهمزة المحققة والألف ، وتجعل المكسورة بين الهمزة والياء المدية ، والمضمومة بين الهمزة والواو المدية ، وهذا المعنى الثاني هو الذي نعني هنا من أن الغلط فيه منتشر ، والأخطاء فيه شائعة ؛ فلا بد من الاعتناء به والتركيز عليه ، وقد رأيت من القراء من يجعل الهمزة المسهلة بين بين هاء خالصة ؛ بل أغرب من ذلك أن شارح كتاب “الدرر اللوامع” نص في شرحه المسمى “إرشاد القارئ والسامع” على أن العمل عندهم على نطقها هاء خالصة ، وعزى ذلك لشيخ أشياخه الطالب عبد الله بن الحاج الرقيق الذي قال :
وما به العمل ذا المسهل يقرأ هاء خالصا ويقبل([1])
ورغم بحثي عن مستند ذلك في كتب القراءة المعتمدة فإني لم أعثر على أحد
قال بهذا القول ([2])، وفيه من الشناعة ما هو واضح بين ، فتغيير حرف من كتاب الله تعالى بغير مستند من رواية أو لغة هو أمر لا تخفى خطورته ، فعلى الذين يتعنتون ويصرون على النطق بالهمزة المسهلة هاء خالصة معتمدين على هذه الرواية التي لا يوجد لها سند ولا مستند ؛ أن يأتوا ببرهانهم على تغيير هذا الحرف من كتاب الله تعالى ، وإلا فعليهم أن يراجعوا أنفسهم ويعلموا أن الدين لا يؤخذ بالآراء والأهواء ، بل بالنقل والعلم ، وخاصة ما كان متعلقا بكتاب الله تعالى ، فكيف نعتمد في كتاب ربنا على رواية أقوى ما عند أصحابها من الأدلة عليها ما يلي :
أ – أن أحمد بن الطالب اعمر إدوعيشي – رحمه الله تعالى – قال إن العمل عليها عند أهل منطقته وزمانه ، وهذا لا يخفى ضعف الاستدلال به لأنه يفتقر إلى التواتر وموافقة الرسم العثماني وموافقة وجه من أوجه اللغة العربية.
ب – أنه نقلها عن شيخ أشياخه الطالب عبد الله بن الحاج الرقيق – رحمه الله تعالى – وهذا – أيضا لا يخفى سقوطه .
ج – أن تلميذ هذا الأخير أخبر الأول أنه طالع شرح الأخير على نظمه الذي قدمنا منه البيت المتقدم ؛ فوجده نسب إبدالها هاء خالصة لا بن القاضي ، وهذا أضعف من سابقيه ؛ لأنه رواية عن مطالعة تلميذ لشرح شيخه الذي عزاها لا بن القاضي وهو انقطاع ظاهر بين ، ولا يؤخذ في كتاب الله تعالى بمثل هذه الأقاويل والروايات ، وما أظن نسبتها تصح إلى هؤلاء العلماء الأفذاذ ، وغالب ظني أنها إنما وجدت في المتأخرين عنهم والله تعالى أعلم.
3 – حرف الضاد :
من أهم الأخطاء الشائعة عند كثير من الناس ؛ بل حتى عند بعض القراء الكبار : عدم إخراج حرف الضاد من مخرجه ، وعدم إعطائه صفاته ، فبعضهم يجعله دالا ، والبعض يخرجه لاما مفخمة ، وآخرون ينطقونه ظاء خالصة ، وكل ذلك لا يجوز ؛ بل الواجب تدريب الطالب على نطق الضاد كما هو ، ولا بد من التمرن على ذلك ؛ فإن حرف الضاد هو أصعب الحروف على اللسان كما نص على ذلك أئمة القراءة ، ولذلك فإني سأنبه هنا على نقاط مهمة :
أ – أن الضاد حرف عسير يصعب النطق به إلا بالتمرن والتدريب المستمر ، وقد نص على ذلك علماء القراءة ..
قال ابن الجزري ([3]): ( … والضاد انفرد بالاستطالة ، وليس في الحروف ما
يعسر على اللسان مثله ). ([4])
فدل ذلك على أن الضاد العربية ليست هذه التي ينطق بها كثير من الناس اليوم ؛ لأن الضاد المتداولة سهلة ينطقها العربي والعجمي بسهولة ويسر ، ولا تحتاج إلى تمرن ، وليس في نطقها مشقة على اللسان .
ب – أن حرف الضاد ليس هو حرف الظاء ، فيجب عدم الخلط بينهما ؛ لأن لكل واحد منهما مخرجه المختلف عن مخرج الآخر ، ولكل منهما صفاته فإن الضاد وإن اتحد مع الظاء في صفاته الخمس إلا أنه يزيد عليه بصفة الاستطالة ، وكفى بها تمييزا له في الصفات عن الظاء ، ثم إن لكل منهما شكله الذي يكتب به والذي يميزه عن الآخر ، فحصل بذلك أنهما متغايران كليا ، وأن التسوية بينهما لا تجوز ..
ج – أن أقرب الحروف إلى الظاء هو الضاد ، وذلك لاشتراكهما في خمس صفات ، وأكبر دليل على تقاربهما تحذير القراء من الخلط بينهما ، فلا تكاد تجد كتابا في التجويد إلا ويحذر من جعل الضاد ظاء ، في حين أنه لا يحذر من جعله كافا أو راء ونحو ذلك ، فدل ذلك على أننا إذا نطقنا بالضاد بطريقة صحيحة فإنه سيحصل عندنا حرف يشبه الظاء جدا ، ولكنه في نفس الوقت مختلف عنه تمام الاختلاف.
وهذه النقطة الأخيرة هي التي غلط فيها كثير من القراء اليوم ، فلما رأى كبراء القراء يحذرون من جعل الضاد ظاء ، ظن أن ذلك لتباعدهما ، فحرصوا عند نطقهم بالضاد على عدم النطق بما يشبه الظاء ، حذرا من الوقوع فيما حذر منه الأئمة من جعله ظاء ، فوقعوا في خطأ فادح ؛ لأنهم لم يفهموا أن تحذير القراء من ذلك إنما بنوه على أساس معرفتهم بأن الضاد لا يمكن أن يشتبه مع أي حرف سوى الظاء ، فحذروا من جعلهما حرفا واحدا ، فدل ذلك بحد ذاته على تقاربهما جدا بحيث يصعب الفصل بينهما إلا لماهر فصيح متمرن.
ولهذا السبب حصر ابن الجزري – رحمه الله تعالى – الفرق بين الظاء والضاد في نقطتين هما : صفة الاستطالة التي انفرد بها الضاد من بين سائر الحروف ، والمخرج الذي لا يشتبه مع مخرج الظاء .
قال ابن الجزري : والضاد باستطالة ومخرج ميز من الظاء …
أي أنه لولا هذين الفرقين لكان الضاد ظاء خالصة.
ولقد أحسن الشيخ باب ولد الشيخ سيدي الشنقيطي ([5])– رحمه الله تعالى – حين قال :
الضــاد حرف عسير يشبه الظاء لا الدال يشبه في لفظ ولا الطاء
لحــن فشا منذ أزمان قد اتبعـت أبناؤها فيه أجدادا وآبـــاء
من غير مستند أصلا وغايتهـــم إلف العوائد فيه خبط عشـواء
والحق أبلج لا يخفى على فطــن إن استضاء بما في الكتب قد جاء
هذا هو الحق نصا لا مرد لـــه من شاء بالحق فليؤمن ومن شـاء
والله تعالى أعلم.
3 – الإمالة :
كثير من طلاب حفظ القرآن الكريم يخطئ في الإمالة ، ولا يأتي بها على الوجه الصحيح ، فلا بد من دراسة الإمالة ، ومعرفة كيفية أدائها على الوجه الصحيح وتتوقف معرفتها على القراءة التي يقرأ بها الطالب ، فحفص مثلا لا يميل إلا كلمة واحدة وهي كلمة : ( مجريها ) من قوله تعالى : ( وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ([6])) في سورة هود ، أما بالنسبة لورش فله أحكام أخرى في الإمالة ليس هذا محل بسطها ، وهكذا بقية القراء لكل منهم أحكام في الإمالة ؛ فلا بد لطالب الحفظ من معرفة إمالة القراءة التي يقرأ بها ، والفرق بين الإمالة الكبرى والصغرى ، وسماع ذلك من شيخ خبير بهذا الشأن . والله تعالى أعلم.
([1]) انظر : “إرشاد القارئ والسامع لكتاب الدرر اللوامع في مقرأ الإمام نافع” ص 40
([2]) راجع مثلا : “التلخيص في القراءات الثمان” ص 56 و “الإستبرق في رواية الإمام ورش عن نافع من طريق الأزرق” ص 43 و “الوافي في شرح الشاطبية” ص 84
([3]) هو : محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الشمس أبو الخير ، ولد بعد صلاة التراويح من ليلة السبت 15 رمضان سنة 751 هـ بدمشق ، حفظ القرآن وأكمله سنة أربع وستين ، وصلى به في التي بعدها ، وحفظ التنبيه وغيره ، وأخذ القراءات إفرادا عن عبد الوهاب بن السلار ، وجمعا على أبي المعالي بن اللبان ، وحج في سنة ثمان ؛ فقرأها على أبي عبد الله محمد بن صلح خطيب طيبة وإمامها ، ودخل في التي تليها القاهرة ؛ فأخذها عن أبي عبد الله بن الصائغ تتلمذ عليه خلائق ، ألف النشر في القراءات العشر لم يصنف مثله ، وله أشياء أخر ، وتخاريج في الحديث ، وعمل جيد ، مات سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
انظر ترجمته في : “ذيل طبقات الحفاظ” ج1 ص377 و “الضوء اللامع” ج9 ص255
([4]) انظر : “النشر في القراءات العشر” ج 1 ص 219
([5]) هو العلامة محي السنة وقامع البدعة سيدي باب بن سيدي محمد بن الشيخ سيدي ، ولد سنة 1277هـ ، وحفظ القرآن صغيرا ، ثم أخذ مختلف العلوم على كثير من مشايخ بلده منهم :الشيخ أحمد بن ازوين ، والشيخ أحمد بن سليمان الديماني ، والشيخ محمد بن السالم البوحسني والشيخ محمد بن حنبل البوحسني ، وغيرهم ، وأخذ عنه العلم طلاب كثيرون منهم : محمد المهابة بن سيدي محمد الجملي ومحمد بن أبو مدين وعبد الودود بن عبد الملك ، وغيرهم ، ورغم أن أباه وجده كانا متصوفين فإن ذلك لم يمنعه من محاربة التصوف ، فكان من أكثر العلماء اشتهارا بذلك ، ونظم فيه أشعارا كثيرة .
ألف كتبا مفيدة منها : إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين ، وغيره ، توفي – رحمه الله تعالى – سنة 1342 هـ.انظر ترجمته في “السلفية وأعلامها في موريتانيا” ص282