المبحث الأول : تعريفات مهمة
المطلب الأول : تعريف الحفظ :
الحفظ : ضبط الصور المدركة ، وقيل هو تأكد المعقول واستحكامه في العقل ، وقيل هو التعاهد وقلة الغفلة نقيض النسيان ، ويقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه التفهم ، وتارة لضبط الشيء في النفس ، وتارة لاستعمال تلك القوة ؛ فيقال حفظت كذا حفظا ، ثم استعمل في كل تفقد ، وتعهد ورعاية. ([1])
المطلب الثاني : تعريف القرآن الكريم
أ – القرآن الكريم في اللغة :
اختلف أهل اللغة في لفظة القرآن على فريقين :
1 – الفريق الأول قال إنها مشتقة ، وانقسموا إلى ثلاثة أقوال :
أ – أنها مشتقة من “قرأ” التي بمعنى الجمع والضم ، أي ضم وجمع الحروف بعضها إلى بعض.
ب – أنها مشتقة من “قرأ” التي بمعنى أظهر وبين ، لأن القارئ يظهره ويبينه.
ج – أنها مشتقة من “قرأ” بمعنى تلا ، فتكون مصدرا على وزن فعلان ، كرجحان ، وغفران ، ونحو ذلك. ([2])
2 – أما الفريق الآخر فقال : إن لفظة القرآن غير مشتقة ، وإنما هي علم على كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا أطلقت لا تنصرف إلا إليه شأنها في ذلك شأن الزبور ، والتوراة ، والإنجيل وغيرها. ([3])
ولذلك لم يجدوا لفظا يجمعون عليه كلمة قرآن من لفظه ؛ فاستحدثوا كلمة “مصحف” ؛ لينطقوا بها في صيغة الجمع. ([4])
ويعترض عليه بأن المصحف إنما يقال للصحائف المدون فيها القرآن ، أما القرآن فهو الألفاظ ذاتها.
وقال الزرقاني تعليقا على الأقوال السابقة : ( .. وأما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع ، أو أنه مشتق من القرائن ، أو أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء ، أو أنه مرتجل أي موضوع من أول الأمر علما على الكلام المعجز المنزل ، غير مهموز ، ولا مجرد من أل ؛ فكل ذلك لا يظهر له وجه وجيه ، ولا يخلو توجيه بعضه من كلفة ، ولا من بعد عن قواعد الاشتقاق ، وموارد اللغة وعلى الرأي المختار ، فلفظ القرآن مهموز ، وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف وإذا دخلته أل بعد التسمية ؛ فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف ).([5])
ب – القرآن في الاصطلاح :
أما القرآن الكريم في الاصطلاح ؛ فقد عرف بأنه : كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته. ([6])
وكل مفردة من مفردات هذا التعريف أضافت قيدا ، يخرج ما سوى القرآن الكريم ؛ فلفظة كلام الله تشمل كل كلام تكلم به سبحانه في هذا الكتاب الكريم : المفرد منه ، والمركب ([7]) وإضافته إلى الله تعالى تُخرج كلام غيره ، من الملائكة ، والإنس ، والجن ، وغيرهم .
ولفظ “المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم” قيد يخرج به :
أ- كلام الله تعالى الذي استأثر به في علمه ، فلا يسمى قرآنا.([8])
ب – ما أُنزل على الأنبياء السابقين قبله ، كصحف إبراهيم ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وغيرها.
ولفظ ” المنقول إلينا بالتواتر ” يخرج جميع ما سوى القرآن من منسوخ
التلاوة([9])، والقراءات غير المتواترة. ([10])
أما لفظ “المتعبد بتلاوته” فإنه يخرج الأحاديث القدسية المنقولة بالتواتر ؛ لأنها لا يتعبد بتلاوتها ، لا في الصلاة ، ولا في غيرها .
وقد عرف القرآن الكريم بتعريفات كثيرة ، فيها إضافات ، واحترازات ، وقيود كثيرة .
وأدق التعريفات في نظري أن القرآن هو : كلام الله تعالى ، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، المتعبد بتلاوته ، المنقول إلينا بالتواتر.
فهو تعريف جامع مانع – إن شاء الله – وجميع الزيادات على هذا التعريف ، لا تخلو – في نظري – من نظر ، والله أعلم.
([1]) انظر : “لسان العرب” ج 7 ص 441 و “التعريفات” ج 1 ص 285
([2]) انظر”مناهل العرفان” ج1ص7 و”مباحث في علوم القرآن” مناع القطان ص20
([3]) انظر : “مناهل العرفان” ج1 ص7
([4]) انظر : “الإتقان في علوم القرآن” ج1 ص185.
([5]) انظر : “مناهل العرفان” ج 1 ص 7- 8
([6]) انظر : “التعاريف” ج1 ص578
([7]) انظر : “مناهل العرفان” ج1 ص13
([8]) انظر : “مباحث في علوم القرآن” مناع القطان ص21
([9]) منسوخ التلاوة : يطلق على الآيات التي نسخ لفظها ، كآية الرجم ، وهي : “الشيخ ، والشيخة إذا زنيا ؛ فارجموهم البتة نكالا من الله ، والله عزيز حكيم” وكآية الادعاء لغير الأب على قول بعضهم ، وهي: “ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم”.