المطلب الثاني : اغتنام الأوقات المناسبة للحفظ :
إن أكثر الأوقات مناسبة للحفظ هو من وقت السحر إلى الفجر ، ثم من بعد صلاة الفجر إلى وقت الضحى ([1])، وأكثر الأوقات مناسبة للمراجعة هو من المغرب إلى العشاء ، وكذا قبيل النوم بقليل …
المطلب الثالث : اتباع الخطوات التي تسهل عملية الحفظ :
اعلم أولا أنه لولا تيسير الله عز وجل هذا القرآن للحفظ ؛ لما استطاعت القلوب أن تحفظه ، ولولا تقوية الله لقلوب المؤمنين ؛ لانفطرت عند أول سماعها له ، ولكن نعم الله على هذه الأمة أكثر من أن تحصى أو تستقصى.
قال العلامة القرطبي – رحمه الله تعالى – : ( ولولا أنه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله ؛ ليتدبروه ، وليعتبروا به ، وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته ، وأداء حقوقه ، وفرائضه ، لضعفت ولاندكت بثقله ، أو لتضعضعت له ، وأنى تطيقه ، وهو يقول تعالى جده وقوله الحق : “لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله” ([2]) فأين قوة القلوب من قوة الجبال ؟ ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم فضلا منه ورحمة ). ([3])
وقد يسر الله تعالى حفظه ، وأعان عليه من شاء من خلقه ، فقد قال تعالى: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ). ([4])
ومعنى الآية أن الله سهل لفظه ، وتلاوته على الألسن ، ويسر معناه ، وهون قراءته لمن أراده ؛ ليتذكر الناس .
قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – : “لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل”
فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه ؟ وهل من طالب لحفظه ، وما حواه من العلم ؛ فيعان عليه ؟. ([5])
أما الخطوات ([6]) التي تعين بعد توفيق الله تعالى على حفظه ؛ فمن أهمها :
1 – إخلاص النية لله تعالى ، بحفظ كتابه ، والعمل به ، وتدبر معانيه ، وتعليمه للناس ، ودعوتهم لحفظه ، والعمل بما فيه ، فإنما يحاسب المرء على نيته ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنية )([7])
فمن حفظه لوجه الله تعالى ؛ فهو – إن شاء الله – من الفائزين الرابحين ، ومن حفظه ليقال حافظ ، أو لغرض من الدنيا ، فهو آثم بحفظه ، مسحوب على وجهه في النار يوم القيامة ، والعياذ بالله …
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة ، وذكر منهم : .. ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ؛ فأتي به ؛ فعرفه نعمه ؛ فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : هو قارئ ؛ فقد قيل ، ثم أمر به ؛ فسحب على وجهه ، حتى ألقي في النار ). ([8])
2 – تسميع المقرر اليومي للشيخ حتى يتأكد من نطقه سليما .
3 – عدم مجاوزة المقرر يوميا للحفظ حتى يتم إتقانه والتأكد من حفظه.
4 – كثرة التكرار ، وهذه أهم هذه الخطوات على الإطلاق ، فعلى طالب حفظ القرآن أن يكثر التكرار ، ولا يمل منه ، حتى ولو تأكد من الحفظ ، فليكرر ، ويكرر ، ثم يكرر …
5 – كتابة الدرس اليومي باليد : فإن استطاع أن يكتب بيده درسه اليومي ، فيبدأ بكتابة الكلمة الأولى ، ويظل يكررها حتى ينتهي من كتابتها ، ثم يبدأ بكتابة الكلمة الثانية ، ويكررها مع التي سبقت ، وهكذا حتى ينهي درسه اليومي ، ثم يكرر الجميع كوحدة واحدة ؛ فذلك أفضل ، وأدعى للحفظ .
6 – ربط آخر درسه في الأمس بأول درسه اليوم ..
7 – كثرة التسميع على الشيخ ، وعلى طلاب سبقوه بالحفظ ، ويساعد الذين دونه في الحفظ بالاستماع لهم ؛ فتكون مراجعة له …
8 – أن لا يخلط مع القرآن الكريم غيره من المواد التي يراد حفظها ؛ بل يتفرغ لحفظ كتاب الله تعالى أولا ، فإذا أتقنه ، وثبت حفظه ؛ انتقل بعد ذلك إلى غيره ، وهكذا ، أما الذين يخلطون بين كثير من المواد ، ويرغبون في حفظ الجميع ؛ فإن نهايتهم في الغالب تكون بعدم حفظ أي منها …
9 – يجب أن يهتم بالآيات المتشابهة ([9]) في الألفاظ ، وهناك كتب ألفت في المتشابه ، من أكثرها إحاطة ، ولا أعلم كتابا أحاط بالمتشابه مثله ، كتاب “البحر المحيط” للعلامة : محمد ولد انبوجا التشيتي الشنقيطي – رحمه الله تعالى – وهو مطبوع طباعة ليست بالجيدة ([10])؛ فلعل الله أن ييسر من يطبعه طباعة متقنة ، يستفيد منها طلاب العلم ..
وهناك أيضا كتاب السخاوي – رحمه الله تعالى – وهو مطبوع طباعة جيدة ، ومتوفر في المكتبات وهناك كتب أخرى كثيرة..
([1]) انظر : “كيف تحفظ القرآن الكريم” محمد بن علي العرفج ص 30
([3]) انظر : “تفسير القرطبي” ج 1 ص 4
([5]) انظر : “تفسير ابن كثير” ج 4 ص 265 و”زاد المسير” ج 8 ص 94
([6]) اعتمدت في بعض هذه الخطوات على طريقة الشناقطة في حفظ كتاب الله في محاضرهم ، وراجع : “كيف تحفظ القرآن” ص 23 محمد بن علي العرفج و “طرق تدريس القرآن الكريم” ص 113 د./ محمد السيد الزعبلاوي.
([7]) رواه “البخاري” في صحيحه ، باب النية في الإيمان ، حديث رقم 6311 ج 6 ص 2461 و”مسلم” في صحيحه ، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية ، حديث رقم 1907 ج 3 ص 1515
([8]) رواه “مسلم” في صحيحه ، باب من قاتل رياء وسمعة استحق النار ، حديث رقم 1905 ج 3 ص 1513
([9]) جاء في كتاب “متشابه القرآن العظيم” ص 58 : ( إن المتشابه كائن في أشياء : فمنها متشابه إعراب حروف القرآن ، ومنها متشابه غريب حروف القرآن ومعانيه .. ومنها متشابه تأويل القرآن ، وفي ذلك كتب عن أهل التأويل كمجاهد ، وقتادة ، وأبي العالية ، وسعيد بن جبير ، وعطاء بن يسار ، وعطية ، والسدي ، وأبي صالح ، وغيرهم ، ومنتهى أكثر ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، ويدخل في ذلك متشابه ناسخ القرآن ومنسوخه ، وتقديمه وتأخيره ، وخصوصه وعمومه ، وأكثر من سمينا قبل لهم كتب في ذلك ). والمقصود بالآيات المتشابهة هنا أي التي تتشابه ألفاظها ، وتتقارب ، فلا بد من الاعتناء بها ، حتى تتميز كل آية عن الأخرى.
([10]) ذلك أنه لا يمكن أن يستفاد منها ؛ فهي طبعة قديمة غير مقروءة ، وعندي منها نسخة بشرح محمد أحمد الأسود الشنقيطي ، ولم يطبع غيرها حسب علمي إلى الآن …